محاولة اغتيال رئيس وزراء العراق مقامرة من الميليشيات تفيد الكاظمي وتقود البلاد نحو المجهول كلمات مفتاحية
يعيش العراق تداعيات محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يوم الأحد الماضي. في وقت تواصل الأطراف الخاسرة في انتخابات تشرين الأول/أكتوبر تظاهراتها أمام المنطقة الخضراء التي تضم مجمعات الحكومة الرسمية والسفارات الأجنبية والتي تعتبر الأكثر تحصينا وحماية في العراق.واستخدم المهاجمون لمنزل رئيس الوزراء ثلاث مسيرات مسلحة تم اعتراض اثنتين وانفجار الثالثة أمام منزل الكاظمي. وأصيب عدد من حرسه بجراح لم تكن خطيرة وظهر الكاظمي نفسه في مقطع فيديو ومعصمه ملفوفا بضمادة شاش أبيض. وسبق المحاولة تهديدات من قيادات ميليشيا بالوصول إلى الكاظمي وذلك بعد مقتل متظاهر في تظاهرات الجمعة الماضية أمام المنطقة الخضراء وجرح المئات، في محاولات الميليشيات والأحزاب السياسية المرتبطة بإيران إلغاء النتائج الإنتخابية التي فاز بها تيار سائرون بزعامة مقتدى الصدر. وخسرت كتلة الفتح التي تضم شخصيات مرتبطة بالحشد الشعبي الذي لعب دورا مهما في الحرب على تنظيم «الدولة» ثلثي المقاعد التي فازت بها على موجة القتال ضد الجهاديين في 2018 ولم تحصل إلا على 17 مقعدا، فيما عزز الصدر من موقعه في البرلمان كلاعب مهم في اختيار وتقرير شخصية رئيس الوزراء المقبل بحصول تياره على 73 مقعدا من 329 مقعدا في البرلمان العراقي، وهي قفزة عن 53 مقعدا في الانتخابات السابقة. وكان زعيم عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي قد هدد الكاظمي في تصريحات ليلة السبت التي سبقت الهجوم الكاظمي وقال «دماء الشهداء محاكمتكم». ووصفت ميليشيا عصائب أهل الحق، الضربات بأنها محاولة لصرف الأنظار عن الاشتباك الدامي خارج المنطقة الخضراء يوم الجمعة وألقت باللوم على أجهزة استخبارات أجنبية. وأعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده عن ارتياحه لعدم إصابة رئيس الوزراء العراقي في الهجوم. وفي بيان، ألقى خطيب زاده باللوم في الضربات على مؤامرة أجنبية غير محددة. واتهم أبو علي العسكري، الاسم الحركي لأحد قادة كتائب حزب الله، وهي أحد الميليشيات الرئيسية المدعومة من إيران، الكاظمي بلعب دور الضحية وقال إنه لا أحد في العراق يعتبر أن منزل الزعيم العراقي يستحق خسارة طائرة بدون طيار لأجله. وقال في منشور على قناته على» تلغرام» «إذا كان هناك أي شخص يريد إلحاق الضرر بكائن الفيسبوك هذا، فهناك العديد من الطرق الأقل تكلفة والأكثر ضمانا لتحقيق ذلك».ومنذ انتخابه رئيس وزراء انتقالي في أيار/مايو والكاظمي يحاول الحد من سطوة الميليشيات على السياسة والمجتمع العراقي بدون جدوى. وحاول رسم مسار حذر بين إيران التي تمارس تأثيرا في العراق وأمريكا التي منحت إيران هدية التأثير عندما غزت العراق عام 2003 وأطاحت بالرئيس السابق صدام حسين. واتهمت ميليشيات الكاظمي الذي كان مديرا للمخابرات بتقديم معلومات لأمريكا عن تحركات الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، والمسؤول عن العمليات الخارجية وتوسيع تأثير إيران بالمنطقة والذي قتل بغارة أمريكية وهو يخرج من مطار بغداد، العام الماضي مع أبو مهدي المهندس أحد قادة الحشد الشعبي. بين اتهام إيران وإلقاء اللوم على جهات أجنبية- أمريكا أو إسرائيل واتهام الحكومة بترتيب العملية لتأمين إعادة انتخاب الكاظمي لمرة ثانية، أو جعله مهما بحيث تلجأ إليه بقية الأطراف لحسم خلافاتها.
تحذير
ولم توجه اتهامات قطعية لجهة، إلا أن الجهات التي تعرضت مصالحها للخطر بالانتخابات هي تلك التي تحاول تأكيدها الكتلة الموالية لإيران. ونقلت «الغارديان» (7/11/2021) عن مسؤول عراقي «نقول الميليشيات هي التي نفذتها» و «نقول إن إيران قد تكون على معرفة بها ولكننا لسنا متأكدين أكثر من هذا». ويظل الهجوم كما رأت صحيفة «نيويورك تايمز» (6/11/2021) تحذيرا وليس محاولة اغتيال. وبقي رئيس الوزراء في السلطة من خلال موازنة العلاقات العراقية بين إيران وأمريكا، وهو يسعى لولاية أخرى. ويمكن لرئيس الوزراء استخدام الحادث لكسب الشعبية والتعاطف معه كرئيس للوزراء نجا من محاولة اغتيال. لكنها أشارت أن الهجوم سيعقد من محاولات تشكيل الحكومة المقبلة. وتعتمد هذه الجهود على إقامة تحالفات بين الأحزاب، بعضها له أجنحة مسلحة، لتشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان. كل هذا في ظل استمرار الاحتجاجات على النتائج، حيث لم تعلن مفوضية الانتخابات العراقية حتى الآن النتائج النهائية لها. وأشادت الأمم المتحدة، التي كان لها مراقبون في مراكز الاقتراع، بالعملية الانتخابية ولكن الأجنحة السياسية للميليشيات التي خسرت مقاعد تزعم أنها تعرضت للتزوير. ولم تصدق الجماعات الخاسرة العد اليدوي للأصوات والذي لم يظهر أي تلاعب في الانتخابات، فهي لا تثق أصلا بالكاظمي الذي تنظر إليه كأداة في يد أمريكا.
لا يريدون الصدر
وجزء من غضب الخاسرين والمطالبين بـ «وقف سرقة الانتخابات» (في توقيع غريب على حملة دونالد ترامب التي رفض فيها الإعتراف بفوز جوي بايدن) هو أن ملك اللعبة في الساحة بات الصدر، الذي عزي فوزه إلى استراتيجية أكثر تطورا من قبل التنظيم الصدري، الذي استفاد من النظام الانتخابي الجديد، الذي يضم عددا أكبر من الدوائر الانتخابية. وعلق ديفيد غاردنر في صحيفة «فايننشال تايمز»(11/11/2021) أن الصدر أعاد تشكيل نفسه كمعارض للتدخل الأمريكي والإيراني في شؤون العراق. وكمعجب بحزب الله، فقد قلد نموذجه من خلال التحكم بمؤسسات الدولة وغرس كوادره فيها، هذا بالإضافة لكونه يدير ميليشيا مسلحة. ويرى مخضرمون في العراق أن التغير بمثابة تحول براغماتي عن الوضع قبل 15 عاما، وعندما كانت الميليشيات مثلا، تتقاسم مبنى وزارة الداخلية المكون من 11 طابقا، كل واحد لميليشيا، باستثناء الطابق السابع الذي قسم بين جماعتين مسلحتين.
مقامرة خطيرة
ومن هنا فخسارة الأطراف التي نسبت إلى نفسها فضل حماية العراق من تنظيم «الدولة» وأنها تستحق الفوز عندما قرر قادتها استبدال الخاكي العسكري بالبدلة الرسمية ودخلوا السياسة، لكنهم مثل الساسة الذين حكموا العراق منذ عشرين عاما، كان بالضرورة لأنهم خيبوا آمال العراقيين. ولهذا قام الناخب العراقي بمعاقبتهم بصنادق الاقتراع، رغم ال الضعيفة التي وصلت حسب الأرقام الرسمية إلى 36 في المئة مع أنها أقل حسب تقديرات أخرى. ويعتقد ديفيد إغناطيوس المعلق في صحيفة «واشنطن بوست» (8/11/2021) أن محاولة الإغتيال الفاشلة ضد رئيس الوزراء العراقي ارتدت بنتائج عكسية مذهلة. وقال إنها صدمت الكثير من العراقيين، وحتى بقواعد اللعبة السياسية الشرسة في بغداد، بل وأضعفت الميليشيات العراقية التي تدعمها إيران وتحاول إخراج الكاظمي من السلطة. ونقل الكاتب عن رندا سليم، مديرة قسم حل النزاعات في معهد الشرق الأوسط «هناك الكثير من الأدلة العرضية التي تؤشر للجماعات العراقية المسلحة التي تدعمها إيران وأنها هي التي نظمت الهجوم، لكنها ارتدت سلبا عليهم. وكان تحركا أحمقا ويعبر عن ضيق النظر وحقق عكس ما هدفوا إليه وهو حرمان رئيس الوزراء من فترة ثانية، بل وأكد الهجوم فترته الثانية في المنصب». ويعتقد الكاتب أن محاولة الميليشيات حرف اللوم على شماعة العداء لأمريكا لن يغير من الواقع حتى بين العراقيين الميالين لتصديق نظريات المؤامرة. وتم الكشف عن كذب الكلام بالمسيرات تم العثور عليها. ولو استطاع الكاظمي البقاء حيا فلديه فرصة أفضل من الأسبوع الماضي لمواصلة العمل في منصبه كما يقول.
إيران لن تترك العراق
وبعدما أطيح بصدام الذي قاد حربا استمرت ثمانية أعوام مع إيران (1980-1988) بدعم من دول الخليج والغرب، فمن المستبعد أن يتخلى الإيرانيون عن العراق، الذي يرونه عمقا استراتيجيا وخط دفاع أوليا أهداهم إياه الغزو الأمريكي. وفي وقت يحذر فيه مراقبون من حرب شيعية- شيعية إلا أن طهران لا تريد أن تنجر أعمق في المستنقع العراقي. ولهذا ظل النموذج الذي حبذته في العراق ومع حزب الله في لبنان ولحد ما في سوريا واليمن، يقوم على دعم ميليشيات بصواريخ وطائرات بدون طيار. مما يمنحهم القدرة على استغلال العراق بطرق أخرى ومربحة كالزيارات الدينية والعلاقات الثقافية وبناء المزارات. لكن هذا النموذج يعاني من مشكلة بعد مقتل سليماني، فلم تعد إيران تعرف كيفية السيطرة على الجماعات المسلحة الموالية لها وبخاصة في العراق. ورأت صحيفة «الغارديان» (7/11/2021) أن المشكلة نابعة من تأثير قائد فيلق القدس الضعيف، وتأثيره الذي لا يقارن بالتأثير الذي كان يتمتع به سليماني. ويواجه إسماعيل قاآني مهمة صعبة في التعامل مع الجماعات المسلحة التي لا تستمع إليه كما قال المسؤول العراقي الأول و «في الحقيقة لا يستمعون إليه أبدا، وهناك الآن عدد من خطوط الإتصال مع إيران اليوم، فقد تحطمت السلطة التي كانت موجودة». وباتت الجماعات المسلحة تتبنى العنف أكثر كوسيلة لفرض إرادتها على السياسة العراقية، مع أنها فقد شعبيتها بين الناخبين نتيجة لممارساتها ضد المتظاهرين وملاحقتها الناشطين في بغداد والبصرة وقتلها لهم وللصحافيين وأي شخص انتقدهم، وهو ما أضعفهم وقوى موقف الصدر الذي عزز من موقعه وربما موقف الكاظمي.وفي هذا السياق رأت مجلة «إيكونوميست» (10/11/2021) أن إيران تستطيع دعم تدخلها بالمنطقة عبر استراتيجية المسيرات، التي لا تحتاج إلى كلفة عالية، نظرا لعدم تفوقها على الدول الأخرى مثل أمريكا وإسرائيل وتركيا التي غيرت مسيراتها الميزان العسكري في كل من ليبيا وحرب أذربيجان، إلا أنها طورت صناعتها العسكرية في هذا المجال وباتت تقدم للوكلاء لها في اليمن والعراق وسوريا نماذج منها، وأصبحت هذه مصدر قلق لإسرائيل التي طورت في السبعينات والثمانينات المسيرات المستخدمة لمرة واحدة والانتحارية لضرب القدرات الجوية العربية، وباتت اليوم تبحث عن طرق للحد من خطرها بالمقاتلات المتفوقة والقبة الحديدية، مع أن هذه التكنولوجيا، يصعب كشفها من الرادارات وتحلق على مدى منخفض وتحدث أخطارا كبيرة لو أصابت هدفها.
مستقبل غامض
وتؤشر المحاولة الأخيرة على حياة الكاظمي، إلى أن العراق كما كان منذ الغزو الأمريكي في مهب الريح، وهو رهن خلافات النخبة، فالوجوه يعاد إنتاجها في تحالفات متعددة لكن الواقع لم يتغير وهو أنها تعاملت مع المناصب الحكومية كفرصة لنهب مصادر البلاد، وجماعة الصدر ليست استثناء من هذه النخبة. وفي وقت حاول فيه المحتجون وضع حد للفساد والمحسوبية وسلطة السلاح، وتسليط الضوء على حياة الناس العاديين الذين يعانون من نقص المياه والكهرباء، إلا أن حركتهم قمعت في مدن الجنوب وبغداد. وفي الصيف هذا حاول من يملكون السيارات البقاء فيها هربا من حرارة الجو. وفقدت الحكومة ثقة المواطنين وحل محل التغيير شعار التسليم، وهذا يفسر سبب تجنب الكثيرين صناديق الانتخابات لأنها لن تغير حياتهم. ولم يرشح إلا عدد أنفسهم كممثلين للحراك، رغم أنهم لم يكونوا متماسكين. وتجارب الكتل الأخرى واضحة، مثل العراقية التي فازت في الانتخابات عام 2010 لكنها لم تفز بالسلطة نظرا لاعتراض كتلة نوري المالكي التي نجحت في حرمان الفائز. وطالما لم يتم حل مشكلة الميليشيات وسلاحها، ومحاولتها فرضها إرادتها على السياسة والمجتمع العراقي، فالعراق سيصبح نسخة أخرى من لبنان، تتنازعه القوى الداخلية في المنطقة ويتفاوض ساسته على تقاسم الحصص. فأهم ما جلبه الغزو الأمريكي هو نظام محاصصة يقوم على الطائفية. وعلق ريناد منصور بمقالة بدورية «فورين أفيرز» (10/11/2021) أنمحتجين بالانتخابات وتحولهم لبرلمانيين إيجابية ولكن..