وانتصر إبراهيم عيسى في "غزوة" المعراج كراهية الغرب !
قامت الدنيا ولم تقعد في مصر بعد أن تطرق الكاتب والمفكر والإعلامي القدير إبراهيم عيسى إلى قضية المعراج، وهي قضية حساسة لدي كثير من المسلمين بصورة عامة، وعند المصريين بصورة خاصة.
وبدأ الهجوم على إبراهيم عيسى - بعد ما ذكره عن المعراج- من كل حدب وصوب.
فاتهمه السلفيون بالكفر، وهاجمه شيوخ مثل الشيخ كريمة واتهموه بالردة، ودخل في الصراع صحفيون وإعلاميون وسياسيون محسوبون على تيار الدولة المدنية ليزيدوا النار اشتعالا، ويهاجموا إبراهيم عيسى.
وككلمة حق فقد وقف الرجل صامدا أمام هجومهم ووقف معه آخرون مثل الدكتور خالد منتصر والسيدة فاطمة ناعوت والإعلامي المتمكن عمرو أديب والرائع الشيخ سعد الدين الهلالي استاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر.
والغريب في الأمر أن كل هذه الزوبعة والتشنج الذي وصل إلى درجة الجنون حدث بالرغم من أن إبراهيم عيسى لم يقل كلمة واحدة عن رأيه هو في "المعراج"، وقد أوضح السيد إبراهيم عيسى ذلك في ظهوره الخميس الماضي في برنامجه على "القاهرة والناس".
وقد اتهم كثيرون إبراهيم عيسى بأنه قال أن المعراج "رحلة وهمية". والآن تعالوا لكي نرى سويا وبالحرف الواحد ما قاله المفكر المعروف حين تكلم عن المعراج. فقد قال ما يلي: "دي قصة وهمية كاملة، كتب السيرة والتاريخ والحديث هي اللي بتقول كده، لكن هو بيصدر لك (أي يعرضوا لكم باللهجة المصرية) الكتب اللي بتقول إنها حصلت (أي حدثت)، واللي (أي الكتب اللتي) بتنفي حدوث المعراج (من كتب التراث) لا تتم الإشارة إليها".
فكما نرى فإن الأستاذ إبراهيم عيسى حينما قال عن المعراج تعبير "دي قصة وهمية" تلاها بالتعقيب "كتب السيرة والتاريخ والحديث هي اللي بتقول كده". أي أن الرأي بأن القصة وهمية "ليس" رأيه هو بل هو رأي كتب التراث والتي لم تتفق على نص كامل للقصة وتناقضت في تفاصيلها وهل تمت بالروح أم بالجسد وغير ذلك من التناقضات حول قصة المعراج والتي يستطيع أي قارئ أن يجدها من خلال بحث بسيط على الإنترنت.
وبناء على ذلك فإن اتهام إبراهيم عيسى بأنه هو من يقول أن القصة وهمية هو إدعاء باطل وكاذب بكل المقاييس. وإن تم لوم أحد في هذا الشأن فهو لوم الأزهر الذي لم ينقح كتب التراث حتى الآن وترك التناقضات فيها حول المعراجلتبلبل عقول كثيرين.
فعلى سبيل المثال يفهم كثيرون أن "سدرة المنتهى" التي ورد ذكرها في سورة النجم هى شيء مهول سرمدي لايمكن وصفه ولا تصوره في نهاية الكون المادي. فكما ذكر القرآن في سورة النجم "ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنَة المأوى * إِذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى". (النجم13-18)
ولكن بعض المفسرين - كما جاء في "فتح القدير" للإمام الشوكاني - قال إنه "سدرة المنتهي" هي شجرة "نبق" وقال البعض أن هذه السدرة هي في السماء "السادسة" وروى أيضا أنها في السماء "السابعة" (أنظر فتح القدير للشوكاني- تفسير سورة النجم).
فهل هذاالتناقض هو من صنع إبراهيم عيسى؟ لا أظن!
وما لم يدركه كثيرون أن ثورتهم ظلما وبهتانا وزورا ضد إبراهيم عيسى على ما قاله في "المعراج" وهو لم يكن رأيه - كما ذكرنا أعلاه – قد فتحت بوابة جهنم على الفكر السلفي التقليدي.
فقد بدأ البعض يسأل هل تم فرض الصلاة دون وضوء، فظل المسلمون يصلون دون وضوء لسنوات حتى نزلت آيات الوضوء في المدينة بعد سنين من نزول سورة الإسراء؟
وبدأ آخرون يتساءلون كيف أن عائشة – كما جاء في الأثر- قالت إنه (أي الرسول عليه الصلاة والسلام) لم يغادر سريره ليلتها (أي ليلة الإسراء والمعراج) وكان نائما بجانبها رغم أن الرسول تزوجها وهو في المدينة أي أنه لم يكن زوجها وقت حدوث الإسراء والمعراج!
وتطور الأمر، فبدأ العديد من الشباب يسأل إن كان المعراج تم بالروح فقط وليس بالجسد -كما ذكرت العديد من كتب التراث- فلماذا نقدس القدس إذاً ونبني مسجد الصخرة على موقع صخرة يقال أن المعراج بدأ والرسول واقف فوقها! فلو كان العروج بالروح كما ورد فتكون قصة "مسجد الصخرة" من وحيالخيال البشري ولا علاقة لها بالقرآن نفسه!
ويتساءل آخرون كيف لم يذكر البخاري حديث "كاسيات عاريات" في روايته للمعراج ... فهل نسيه! أم أن رواة الحديث الآخرون اختلقوه! فهو "أي الحديث المذكور" ورد بعدة صيغ لا ندري من منها هي الحقيقةالتي قالها الرسول :الصيغة الأولى: "صنفان من أَهل النارِ لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس. ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة. لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإِن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا".
ولكن للأسف الشديد فقد روى نفس الحديث في قصة المعراج آخرون بصيغة مختلفة تماما كما يلي "عن عبد الله بن عمر: سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على السروج كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المسجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهم كأسنمة البخت العجاف إلعنوهن فإنهن ملعونات". هل قال الرسول عليه السلام الرواية الأولى أم قال الثانية؟ ولماذا الاختلاف؟ وهل هذا خطأ إبراهيم عيسى أم أن كتب التراث هي التي تشكك في نفسها!
وخلاصة القول فإن التشنج الجنوني على إبراهيم عيسى لمجرد أنه ذكر أن هناك تناقضا بين كتب التراث - المسموح بها والتي يتم تدريسها في الأزهر- قد تسبب في فتح بوابة الفكر عند كثيرين، وقد يعد رد الفعل التشنجي ضد إبراهيم عيسى أول معول في قبر الفكر السلفي التقليدي!
وللحديث بقية!