الصين وأمريكا في معركة تكسـيـر العظام | بوابة أخبار اليوم الإلكترونية
على عكس الحروب التقليدية التى كانت تتم عبر المواجهات العسكرية وتعتمد على الأسلحة بكافة أنواعها من المدافع والدبابات وحتى الصواريخ الموجهة آليا والطائرات بدون طيار.. باتت حروب اليوم «اقتصادية» تقوم على فرض العقوبات والتقييد التجارى وفرض الرسوم التعجيزية التى تنهك الدول وتضعفها وتحولها لفريسة سهلة للمساومات والإملاءات الخارجية.
بهذه الاستراتيچية قررت الولايات المتحدة مواجهة عدوها اللدود التنين الصينى الذى استغل السنوات التى انشغلت فيها واشنطن بحروبها فى الشرق الاوسط لتدعيم مكانة الصين الاقتصادية وتنصيب بكين وريثاً شرعياً للسيادة الدولية، حيث تقول التقديرات إن الاقتصاد الصينى سيتفوق على مثيله الامريكى فى غضون سنوات قليلة، وأن بكين ستستغنى عن منتجات امريكا فى المستقبل، وستتفوق مبيعات منتجاتها على مثيلاتها الامريكية فى الاسواق الاوروبية.
من هنا لا يمكن فصل ما تتعرض له شركة هواوى الصينية من تقييد وضغوط أمريكية عن تلك الحرب الكبرى التى تدور بين واشنطن وبكين كما يقول تقرير لـ«سى إن إن» فالشركة اصبحت فى سنوات قليلة المزود الأسرع نموا للهواتف الذكية فى العالم حتى أنها ازاحت شركة «ابل» الامريكية من ترتيبها كثانى أكبر مورد للهواتف الذكية فى العالم بعد سامسونج، وهى تطمح لتصبح أكبر شركة مصنعة للهواتف الذكية فى العالم، وهواتفها هى الاسرع مبيعا فى الصين وأوروبا، بحصة تبلغ 35٪ من السوق.
كما أن الأرقام تقول أن مبيعاتها تجاوزت الـ107 مليارات دولار «96 مليار يورو» العام الماضى، وهو مبلغ يفوق مبيعات شركة «أى بى إم» الأعلى مبيعا فى أمريكا، وأكثر من 48٪ من هذه المبيعات من الهواتف والتابلت وقد باعت حوالى 203 ملايين هاتف العام الماضى.
الأهم من ذلك أن هواوى واحدة من الشركات التى تقوم بتصنيع معدات شبكات الـ5G للشركات اللاسلكية، والمنافسان الرئيسيان الوحيدان لها هما نوكيا وأريكسون، لكن هواوى هى الشركة الأكبر بينها وقادرة على توفير التكنولوچيا بشكل أسرع وأرخص. لذا فتقنية هواوى ضرورية لمستقبل الجيل الخامس التى ترغب الولايات المتحدة فى السيطرة عليه والتأكيد من أن شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية التابعة لها فى طليعة تلك التكنولوچيا الجديدة الذى ستغير وجه العالم بتحكمها فى انظمة المياه والكهرباء والصحة وحتى السيارات ذاتية القيادة وهو ما لن تسمح أمريكا بأن يخضع للسيطرة الصينية.
لهذه الاسباب وضعت الإدارة الامريكية «هواوى» هدفا لها متخذة عدداً من الذرائع كسبب لاضطهادها وتحجيم تداولها فى أسواقها، بداية من اتهامها بتوظيف التكنولوچيا التى تستخدمها للتجسس لصالح الحكومة الصينية، مرورا بسرقة أسرار تجارية من تى موبايل «TMUS» وحتى اتهامها الأخير بخرق القواعد الامريكية التى فرضت حظرا على التعامل مع إيران، وهو الاتهام الذى اعتقلت على اثره كندا المديرة المالية لشركة هواوى وابنة مؤسسة الشركة، منج وانزو، ديسمبر الماضى، أثناء تبديل طائرتها فى مطار فانكوفر، بطلب من واشنطن، وبعد جلسة استماع استمرت 3 ايام، اطلقت السلطات الكندية سراح وانزو بكفالة قدرها 10 ملايين دولار كندى، مع تحديد مكان إقامتها وارتداء سوار التتبع، لتعلن مؤخرا عن نيتها تسليمها لواشنطن.
ورغم أن حالة الشد والجذب حول هذه القضية مستمرة منذ أشهر، إلا انها وصلت للذروة الاثنين الماضى عندما وضعت إدارة ترامب «هواوى» على قائمة الشركات المحظور التعامل معها، وعلى أثر ذلك أعلنت «جوجل» منع هواوى من استخدام بعض خدمات وتطبيقات نظام «اندرويد» على اجهزتها، كما قامت الشركات المتخصصة فى صناعة المعالجات ايضا بوقف تعاملاتها مع هواوى، ومنها شركات إنتل وكوالكوم، وبرودكوم، بأثر فورى.
ويرى الخبراء أن ما فعله ترامب هو وسيلة للضغط على الصين للحصول على مزيد من الامتيازات فى الحرب التجارية المحتدمة بينهما خاصة إعلان وزارة التجارة الامريكية بأن قرار حظر التعامل مع هواوى سيتم العمل به لمدة ٩٠ يوما وهى فترة كافية للجلوس على طاولة المفاوضات وحل الأزمة.
وقد سبق لترامب أن فعل هذا من قبل عندما قام فى ابريل ٢٠١٨ بمنع الشركات الأمريكية من بيع رقائق ومكونات اساسية إلى شركة ZET الصينية بذريعة كذب الشركة على المسئولين الامريكيين بشأن معاقبة موظفين انتهكوا العقوبات الامريكية المفروضة على كوريا الشمالية وايران وبعد شهر من الأزمة قال ترامب إنه سيعمل شخصيا مع الرئيس الصينى شى جين بينج لإعادة ZET إلى العمل بسرعة وهو ما حدث بالفعل، ليتم رفع العقوبات فى يوليو.
وألمح الرئيس دونالد ترامب إلى احتمال تخفيف أو رفع العقوبات عن هواوى فى حال ابرام اتفاق تجارى مع بكين.. وصرح ترامب: «من الممكن ان يتم ادراج هواوى بشكل أو بآخر فى الصفقة التجارية مع بكين وأضاف ان هواوى خطيرة للغاية بالنظر إلى ما فعلته من الجانب الأمنى والعسكرى، ومن هنا فإنه من المتوقع أن يتم تواصل قريب بين ترامب ونظيره الصينى، تطلب خلاله واشنطن تنازلات سياسية من الصين مقابل تخفيف القيود المفروضة على الشركة الصينية العملاقة، التى تضع الصين فى مصاف الدول المصنعة للتكنولوچيا الحديثة.