محمد الباز يكتب: الحقيقة العارية «4».. هيكل: الهضيبى مرشدًا عامًا للإخوان بالواسطة
الأستاذ رأى أن الهضيبى خان ضمير القاضى فكيف له أن ينضم لجماعة إرهابية اغتالت زميلًا له؟
الهضيبى كان رجلًا ضعيفًا وهشًا وساذجًا وينساق وراء كلام الآخرين دون أن يستوثق منه
من اللحظة الأولى لم يكن محمد حسنين هيكل معجبًا بمرشد الإخوان الثانى، المستشار حسن الهضيبى، بل طعن فيه من زاوية محددة، أعتقد أنها كانت منطقية وموضوعية فى آن واحد.
ولد حسن الهضيبى فى العام ١٨٩١، لكنه لم يتعرف على جماعة الإخوان إلا فى العام ١٩٤٢، ويقول هو عن ذلك إنه لمس من بعض أقاربه الفلاحين إدراكًا لمسائل الدين والسياسة ليس من عادة أمثالهم الإلمام بها، خاصة أنهم كانوا شبه أميين، ولما علم أن ذلك يعود إلى الإخوان أُعجب بهذه الدعوة، وبدأ يحرص على حضور خطب الجمعة فى المساجد التى كان يخطب فيها مؤسس الجماعة حسن البنا.
بعد اغتيال حسن البنا فى فبراير ١٩٤٩- وطبقًا لرواية الإخوان- بدأت الجماعة فى البحث عن قائد آخر، وأجمعت الهيئة التأسيسية على انتخاب حسن الهضيبى مرشدًا عامًا، وذلك بعد ترشيح حسن البنا له كخليفة له فى مكتب الإرشاد، فمن بين ما يرويه الإخوان أن البنا قال لبعض أعضاء الجماعة: لو حدث لى شىء واختلفتم إلى من يكون مرشدًا بعدى فاذهبوا إلى المستشار حسن الهضيبى، فأنا أرشحه ليكون مرشدًا من بعدى.
ظل الهضيبى يمارس عمله مرشدًا عامًا للإخوان ما يقرب من ستة أشهر، دون أن يترك عمله فى القضاء، ولما سمحت حكومة النحاس باشا للهيئة التأسيسية للإخوان بالاجتماع طلب أعضاؤها من الهضيبى أن يترأس اجتماع الهيئة بصفته مرشدًا للجماعة، إلا أنه رفض طلبهم، إذ اعتبر انتخابه من قِبل الهيئة التأسيسية فى المرحلة السرية لا يمثل رأى جمهور الإخوان، وطلب منهم أن ينتخبوا مرشدًا آخر غيره.
رفض الإخوان طلب الهضيبى، وتوافدت جموع الإخوان إلى بيته، وألحوا عليه ليبقى مرشدًا عامًا للجماعة، وبعد أخذ ورد معهم وافق على مطالب وفود الإخوان، وقدم استقالته من القضاء ليتفرغ للعمل فى الإخوان المسلمين، وفى ١٧ أكتوبر ١٩٥١ أُعلن حسن الهضيبى مرشدًا عامًا لجماعة الإخوان المسلمين.
رواية الإخوان بهذه الطريقة مثالية، ترفع الهضيبى إلى درجة الرجل الذى يترفع عن تحمل المسئولية إلا بعد أن يتوافق عليه الإخوان، لكن ما قاله هيكل ينسف هذه الصورة المثالية تمامًا.
فى حديثه على قناة «الجزيرة» فى يونيو ٢٠٠٦، ذهب هيكل إلى أن حسن الهضيبى لم تكن هناك قوة من داخل الإخوان ترشحه لمنصب المرشد، فلم يكن أحد يعرفه، ولا يعرف الصلة التى يدعى أنها كانت تربط بينه وحسن البنا، إذ إنه بايعه سرًا، وطلب من البنا أن يظل الأمر بينهما، وذلك لحساسية عمله فى القضاء.
كان فيما فعله حسن البنا مع الهضيبى على وجه اليقين أنه كان يريد من خلاله أن يخترق جبهة القضاء، ويبدو أن الهضيبى كان سهلًا طيعًا، فترك نفسه لحسن البنا يفعل به ما يشاء.
القوة التى وقفت وراء تعيين الهضيبى مرشدًا عامًا للجماعة كانت خارجية، وهنا يظهر اسم نجيب باشا سالم، ناظر الخاصة الملكية الذى كان أحد أصهار الهضيبى، وهو من رشحه للملك فاروق ليتولى شئون الجماعة.
تعيين الهضيبى مرشدًا عامًا للجماعة، كما يذهب هيكل، جاء فى إطار صفقة سياسية محددة.
فقد كنا أمام «جماعة» تبحث عن شرعية للعمل فى الشارع بعد أن تعرضت لضربات قاسية من الحكومة، و«قصر» يبحث عن جماعة تحافظ له على شعبيته فى الشارع، لكن هناك من بينها من يريد أن يدخل فى صدام سعيًا وراء الانتقام لحسن البنا، فتم التوافق على الهضيبى الذى رضى عنه الملك، ووافق بالفعل على مقابلته، وهى المقابلة التى خرج منها الهضيبى ليقول إنها كانت زيارة كريمة لملك كريم.
ويأخذ هيكل على حسن الهضيبى أنه خان ضمير القاضى، فكيف له أن ينتمى لجماعة إرهابية بشكل سرى، ويرى أن جماعته تقوم باغتيال قاضٍ زميله، وهو المستشار أحمد الخازندار، دون أن يرفض ذلك أو يعترض عليه، أو يكون دافعًا له لأن يترك الجماعة وينسلخ منها على الأقل غضبًا لما ارتكبته فى حق القضاء والقضاة.
تأكد لهيكل بعد ذلك تهافت حسن الهضيبى عندما قابله وجهًا لوجه فى السجن الحربى بعد القبض عليه على ذمة محاولة اغتيال عبدالناصر فى المنشية فى العام ١٩٥٤.
لم يكتب هيكل عن الهضيبى بل حاوره، وترك القارئ بعد ذلك ليحكم على هذا الرجل الذى باع نفسه للشيطان بلا ثمن، أو أن الثمن كان فى نفسه يخفيه هو عن الجميع.
قابل محمد حسنين هيكل، فى نوفمبر ١٩٥٤، حسن الهضيبى فى السجن الحربى بثكنات العباسية.
يصف هيكل المشهد: كان حسن الهضيبى يعيش تحت تأثير تجربة من نوع جديد، كانت الساعة الواحدة ظهرًا، وهى الساعة التى يخرج فيها للنزهة والسير فى فناء السجن الحربى مع غيره من أعضاء جماعة الإخوان المعتقلين، وفى كل يوم فى هذه الساعة يسمع حسن الهضيبى والذين معه تسجيلين تخرج أصواتهما مجلجلة من ميكروفون ينقل فيهما بأعلى صوته ويدفعه إلى فناء السجن الحربى.
أولهما تسجيل للخطبة التى ألقاها جمال عبدالناصر ووجهت إليه الرصاصات الثمانى أثناء إلقائها.
والثانى تسجيل لأغنية أم كلثوم التى تهنئ فيها الرئيس، والتى مطلعها: يا جمال يا مثال الوطنية.
راقب هيكل «الهضيبى» وهو يسمع التسجيل الأول، خطبة جمال عبدالناصر، ثم فجأة الرصاصات الثمانى التى دوت واحدة بعد واحدة، ثم فترة الصمت الرهيب التى قطعها على الفور صوت جمال عبدالناصر ينادى الرجال الأحرار، وكان وجه حسن الهضيبى صامتًا مغلقًا لا تعبر قسماته عن شىء.
راقبه وهو يسمع التسجيل الذى التقط من إذاعة حفلة نادى ضباط الجيش.
وعندما وصلت أم كلثوم إلى المقطع الذى تطلب فيه من الحاضرين أن يغنوا معها والذى تقول فيه: «يا جمال يا مثال الوطنية.. أجمل أعيادنا الوطنية بنجاتك يوم المنشية.. ردوا علىَّ»، تأمل الهضيبى ولم يكن يتوقع بالطبع أنه سيرد عليها.
جلس هيكل بعد ذلك أمام حسن الهضيبى فى مكتب قائد السجن الحربى، ومرت لحظات صمت، كان خلالها يتأمل وجهه ويدقق النظر فيه، ويبدو أنه أحس بالذى فعله فأطرق برأسه إلى الأرض، ثم رفعه وحاول أن يبتسم لكن أعصابه خذلته، فلم تكتمل الابتسامة على شفتيه، وإنما مر عليه شبح باهت لمحاولة ابتسامة، وكان الصمت ثقيلًا على أعصابى.
ولأنه كان لا بد أن يبدأ الحوار، فقد تدفقت الأسئلة من هيكل والإجابات من الهضيبى.
■ هيكل: هل يبيح القرآن القتل والإرهاب؟
- الهضيبى: لا.
■ هيكل: وهذه الرصاصات الثمانى التى سمعتها بأذنيك الآن فى الميكروفون؟
- الهضيبى: يُسأل عنها الذى أطلقها.
■ هيكل: هل أطلقها من نفسه هكذا دون تحريض؟
- الهضيبى: ومن أين لى أن أعلم أن هناك مَنْ حرض؟
■ هيكل: ألم يكن النظام السرى تابعًا لك مباشرة؟
- الهضيبى: أنا كنت مرشدًا عامًا، أبحث رءوس المسائل وأقررها ولا أدخل فى التفصيلات، وعلى سبيل المثال أنا أقول مثلًا إن من أهدافنا نشر الدعوة، وهذا رأس مسألة أتركها لمن يبحثون التفاصيل ويشرفون على التنفيذ ولا أذهب أنا مثلًا لكى أنشر الدعوة بنفسى وأحض ملايين الناس على الفضيلة، شأن هذا شأن النظام السرى، كنت أعلم أنه موجود، ولكن بالنسبة لى كان رأس مسألة، أما التفاصيل فقد كان يشرف عليها اثنان هما خميس وفرغلى.
■ هيكل: إذن أحدد سؤالى: هل ترى أن الإسلام يبيح إنشاء منظمة سرية مسلحة للإرهاب؟ وهل السياسة فى هذا البلد والحريات التى تتطلع إليها يمكن أن تسمح بقيام منظمات سرية مسلحة؟
- الهضيبى: مَنْ قال هذا؟
■ هيكل: أنت قلت الآن.. لقد قلت إنك تعرف أن هناك نظامًا سريًا، ولكن الذى نفيته أنك أنت الذى كنت تصدر الأوامر، ولقد قلت لى إنك كنت تعرفه كرأس مسألة، ولكنك لم تكن تعرف الظروف التى يعمل فيها، ألم يكن محققًا أن أفهم من كلامك هذا؟
- الهضيبى: ولكنى لست أنا الذى أنشأ هذا النظام السرى، هذا النظام أنشأه حسن البنا سنة ١٩٤٦، فلما جئت أنا من ثلاث سنوات وتوليت منصب المرشد العام كان أول ما فعلته أن قلت إنى لا أريد أنظمة سرية، وأخرجتْ الجماعة فعلًا أولئك الذين عرفت أنهم كانوا يتزعمون الإرهاب المسلح، وأقمتُ مكان النظام القديم نظامًا جديدًا، حددت له أهدافه وهى أن يقوم أفراده بنشاط رياضى وكشفى.
■ هيكل: هل التدريب على السلاح والمفرقعات يدخل ضمن الأعمال الكشفية والرياضية؟
- الهضيبى: لقد أعدت النظام الخاص إلى أصل دعوته لكى يحارب أعداء الإسلام وحاولت أن أبعده عن الإرهاب.
■ هيكل: هذا سيقودنا إلى الرصاصات الثمانى.
- الهضيبى: ما لها؟
■ هيكل: الذى أطلقها أحد أفراد النظام الخاص المسلح.
- الهضيبى: إذن يكون النظام الخاص قد انحرف مرة أخرى، ولكن ذلك بغير علمى.
■ هيكل: لماذا اختلفت مع الثورة، ولماذا خرجت تحاربها؟
- الهضيبى: هل أنا حاربتها؟
■ هيكل: إذا تركت جانبًا الرصاصات الثمانى ومخازن السلاح التى ليس لها عدد، بقى شىء آخر.
- الهضيبى: وما هو؟
■ هيكل: المنشورات السرية التى وزعتها.
- الهضيبى: أنا؟!.. هل أنا وزعت منشورات سرية؟! ما ذنبى إذا كان الشيوعيون والوفديون لا يملكون الشجاعة لكى يوقعوا بأسمائهم الصريحة على المنشورات التى يوزعونها فينتحلوا لها اسمى؟! أنا لم أكتب أى منشورات، ولكن الوفديين والشيوعيين طبعوا منشورات ووضعوا اسمى فى ذيلها وأنا لا أعلم من أمرها شيئًا.
عند هذه النقطة بدأت فترة صمت، فكر هيكل خلالها فى السؤال التالى الذى يوجهه للهضيبى، ولكن مرشد الإخوان قرر فيما يبدو أن يبادر هو بالسؤال.
- الهضيبى: هل أوجه إليك سؤالًا؟
■ هيكل: تفضل.
- الهضيبى: لماذا قتلوا أولادى جميعًا؟
■ هيكل: أولادك؟
- الهضيبى: نعم قتلوهم بطريقة لا أشك فى صحة روايتها أبدًا.
■ هيكل: لا أستطيع أن أصدق.
- الهضيبى: يا رجل، لقد أقسمت لك بالله العظيم قتلوهم جميعًا، وأنت تعرف، ولكنهم قتلوهم، ولست أريد منهم إلا أن يقتلونى أنا أيضًا.
أمام إصرار الهضيبى على اتهامه لرجال الثورة بأنهم قتلوا أولاده وأن هيكل يعرف، تدخل فى المناقشة البكباشى أحمد أنور، مدير البوليس الحربى، وقال فى دهشة: نحن قتلنا أولادك؟
- الهضيبى: نعم أظنك تريد أن تنكر، لا يهمك أن ترانى ثابتًا متجلدًا رغم أن أولادى كلهم قُتلوا وقُتلت زوجتى أيضًا، ولكن هكذا الصابرون المجاهدون.
■ أحمد أنور: ولكن الذى تقوله غير صحيح.
ووقف الهضيبى وتشنجت ملامحه، وقال: والله العظيم والله العظيم والله العظيم إن الذى قلته صحيح صحيح صحيح، وإن أولادى كلهم وأزواجهم قد قُتلوا وزوجتى أيضًا قُتلت.
■ أحمد أنور على الفور: كيف تطلق يمينًا مقدسة بهذه الطريقة؟
- الهضيبى: أنا واثق وأنا أكرر قسمى بالله العظيم.
■ أحمد أنور: ما هو رقم تليفون بيتك؟
- الهضيبى: ٢٧٠٢٤.
يقول هيكل: «بدأ أحمد أنور يدير قرص التليفون والهضيبى ما زال حيث كان واقفًا متشنجًا ينظر إليه نظرة غريبة، وساد الغرفة صمت مفاجئ حتى سمعنا جرس التليفون يدق فى الناحية الأخرى، وقال أحمد أنور: منزل الأستاذ الهضيبى.. هل أستطيع أن أتكلم مع السيدة زوجته، ويبدو أن الذى رد عليه سأل عن شخصية المتكلم، وقال أحمد أنور: قل لها صديق للهضيبى يحمل رسالة منه».
«مرت فترة صمت وأنظارنا معلقة بالتليفون وآذاننا مسلطة عليه، ثم تسرب صوت نسائى، وبدأ أحمد أنور يتحدث إلى زوجة الهضيبى، سألها هل أنت بخير، واقتربنا جميعا برءوسنا من الجهاز نقرب آذاننا منه بقدر ما نستطيع وتسرب منه صوت السيدة تقول إنها بخير، وقال أحمد أنور: وأولادك كلهم بخير؟».
«نظر الهضيبى إلى أحمد أنور نظرة الذى يرى شيئًا لا يستطيع أن يصدقه، وقال أحمد أنور وهو يناوله السماعة: خذ تحدث إليها وأنت تتأكد أنها زوجتك، وأمسك الهضيبى بسماعة التليفون بحذر واسترابة تمامًا كمن أسلموه فى يده لغمًا يمكن أن ينفجر وقال: أنا حسن الهضيبى واستطرد: اسمعى، كيف حال الأولاد؟».
هز رأسه فى ذهول وعاد يقول فى التليفون: «لم يقتلوهم.. غريبة»، وبدأ يهرش رأسه بيده، ومد أحمد أنور يده يأخذ سماعة التليفون ويقول لزوجة الهضيبى كلمة ينهى بها المحادثة، ثم يضع السماعة مكانها ويسأل الهضيبى: هل قتلناهم؟
وقال الهضيبى وهو يهز رأسه ويحك شعره: يظهر أنهم لم يُقتلوا.
وساد الغرفة صمت قطعه هيكل بمعاودة الحوار بينهما.
■ هيكل: لقد طلبت أن توجه لى سؤالًا، فهل أستطيع أن أوجه إليك سؤالًا أخيرًا؟
- الهضيبى: أجيبك عليه.
■ هيكل: ما رأيك فى الأيمان التى أقسمتها بالله العظيم ثلاثة مؤكدًا أن أولادك قُتلوا؟
- الهضيبى: كنت أظن.
■ هيكل: هل تقسم بالله العظيم ثلاثة على الظن؟
- الهضيبى وهو يضحك: بسيطة.. يمين باطلة أكفر عنها.
■ هيكل: هكذا ببساطة ما أسهل اليمين إذن.
- الهضيبى: الدين يسر.
يختم هيكل ما كتبه عن مقابلته مع الهضيبى، يقول: نهضت واقفًا، فقد كان الوقت انتهى، والتفت هو إلى أحمد أنور، وقال: لقد ضاعت علىّ ساعة الفسحة، أمضيت معظمها هنا، فقال أحمد أنور: لا تحمل همًا سوف أعطيك ساعة أخرى، والتفت أحمد أنور إلى أحد الضباط: لا بد أن يتسلى ساعة الفسحة أسمعوه أغنية أم كلثوم مرة أخرى، ومرقت بسيارتى من باب السجن الحربى وصوت أم كلثوم يلعلع تغنى لجمال وتقول: «ردوا علىَّ»، وكان فى خيالى، وأنا أندفع بالسيارة خارج السجن، منظر حسن الهضيبى فى فناء السجن يسمع أم كلثوم ولا يرد عليها بالطبع.
أهال هيكل بما كتبه عن الهضيبى التراب بشكل كامل عليه، أظهر ضعفه وهشاشته وسذاجته وانسياقه وراء كلام الآخرين دون أن يستوثق منه، والأكثر من ذلك أنه يستهين بالقسم باسم الله كذبًا، فالأمر لديه بسيط، اعتبره بدلًا من أن يعتذر يمينًا باطلة يُكفّر عنها.
دون أن يهاجم هيكل «الهضيبى» أكد للجميع أنهم أمام رجل غير مسئول، يكذب كما يتنفس، يظهر لنا وهو يطبق قناعة الجماعة الإرهابية وعقيدتها فى التقية، فهو يخفى ما فعله وما يؤمن به كى ينجو بنفسه.
ما لم يشر له هيكل أن الهضيبى كان طامعًا ومتطلعًا لأن يكون رئيس وزارة، وهذه هى بقية الصفقة التى عقدها له صهره نجيب باشا سالم، ناظر الخاصة الملكية، مع الملك فاروق.
فقد كان الاتفاق على أن يتولى الهضيبى منصب مرشد الإخوان، وبعد أن يسيطر على الشارع لصالح الملك يضرب به فاروق الوفد ويعينه رئيسًا للحكومة، لكن ثورة يوليو جاءت لتطيح به وبأحلامه، وأعتقد أن هذا هو سبب وسر الكراهية الشديدة التى كان يكنها لجمال عبدالناصر، فلم يكن بالنسبة له الرجل الذى قاد ثورة، بقدر ما كان الرجل الذى قضى على أحلامه كلها مرة واحدة.
غدًا: هيكل يحاصر المتهم الإخوانى باغتيال عبدالناصر فى السجن