أغانٍ إباحية تغزو العائلات الجزائرية
قبل سنوات قليلة كان المجتمع الجزائري جد حريص في المحافظة على الذوق العام والآداب التي توارثها جيلا بعد جيل، وخصوصا فيما تعلق باحترام بعضنا البعض في نوعية الأغاني والموسيقى التي يمكن للواحد أن يسمعها في حضرة عائلته أو جيرانه أو أصدقائه، في البيت أو في الشارع أو في الأماكن العامة..
لكن في السنوات القليلة الأخيرة طفت إلى السطح وبشكل متسارع ومخيف وأمام مسمع ومرأى شرائح المجتمع الجزائري موجة من الأغاني الهابطة والمبتذلة الخادشة للحياء لا يمكن وصفها إلا بالأغاني الإباحية لما تحتويه من مفردات تدعو إلى الفسق والرذيلة تصاحبها موسيقى صاخبة يرددها شبان صغار وكبار وحتى فتيات.. والخطر الخفي والأكبر هو التأثير الذي ستتركه هذه الأغاني في الناس من خلال تغيير قيمهم وأخلاقهم.
أصبحنا نشاهد مراهقين وشبانا في أماكن مختلفة يستمعون إلى هذه الأغاني ويرددونها دون أدنى استحياء ممن هم حولهم من الناس، فقد شاعت مؤخرا وبشكل لافت ظاهرة انبعاث هذه الأغاني من السيارات خلال تنقلات أصحابها اليومية، حيث لا يتوانون في فتح مذياع السيارة وبأعلى صوت مجاهرين بالفسق والكلمات الخادشة للحياء، صادرة من أفواه مغنّي ومغنيات الكباريهات والملاهي الليلية وكأن هناك صوت واحد ينادي “حي على الفاحشة”، فيجد المارة من الناس سواء كانوا مشاة أو سائقين أنفسهم مجبرين على سماعها وسط إحراج كبير، خاصة إن كانوا رفقة أقاربهم، ما يدفعم إلى تغيير مسارهم مباشرة.
من الكباريه إلى الشارع في شكل بطاقات ذاكرة وسيديهات
قبل بضع سنوات كانت هذه النوعية من الأغاني الفاضحة ذات الكلمات الساقطة حبيسة الملاهي الليلة والكباريهات، وفي بعض الفنادق، حيث يتلذذ رواد هذه الأماكن بسماع تلك الألفاظ القبيحة، وهي تنبعث من حنجرة شبه مغنٍ، وهو يصف جسم المرأة ومحاسنها ويدعو إلى الفاحشة على إيقاع موسيقى صاخب (لا يمكن في هذا المقام ذكرها لأنها تخدش الحياء العام) تصاحبه مصطلحات ثابتة في معظم الأغاني من شاكلة “آيْ آيْ” و”وايْ وايْ”، يحدث هذا وسط رقص مبتذل ذي إيحاء جنسي فضلا عن احتساء الخمور وما يسمى التبراح والرشقة.. ومؤخرا ومع تطور تكنولوجيا “الأوديو” صارت تسجل هذه الأغاني في اسطوانات CD وبطاقات ذاكرة ليتبادلها الشبان والفتيات في الأحياء والشوارع وحتى في الثانويات والجامعات ومنهم من يحتفظ بها في هاتفه النقال على شكل”mp3” ومنهم من يضعها نغمة رنين الهاتف، بل وُجد من الشباب من يقوم ببيعها على قارعة الطريق في شكل سيديهات عليها أغلفة تحمل أسماء مغنين غير معروفين من شاكلة “الشاب توتو الزندة” و”الشاب داني الفيراري” والشابة ليندة الصغيرةو”الهوارية الجنية” وتلقى – بالطبع – هذه السيديهات روادها ممن يحملون فيروس الخلاعة.
فيروس الابتذال في الشارع والبيت وقاعات الحفلات
يروي أسامة وهو شاب من العاصمة أنه، وفي أحد الأيام عندما كان عائدا من العمل أراد إيقاف سيارة أجرة.. لكن بدون جدوى، فإذا بسائق كلونديستان في العشرينات من عمره يعرض عليه إيصاله، فقبل، وما إن ركب السيارة حتى تفاجأ بسماعه أغنية تحوي كلاما فاحشا وشتما وكفرا من الدرجة الأولى.. “أصبت بذهول ودهشة لا يمكن وصفهما.. كيف سمح لنفسه هذا الشاب بتشغيل هذه الأغنية أمامي فهذا تقليل من احترامي؟ ومن أين مصدرها أصلا؟ فطلبت منه توقيفها فورا” يقول أسامة.
أما نوال من الحراش فتقول: “إن هؤلاء الشبان الذين يمتلكون سيارات فاخرة من آخر الموديلات هم أكثر الناس الذين يشغلون هذه الأغاني بصوت مرتفع بغية معاكسة الفتيات بتلك الأغاني التي تحوي ألفاظا تدعو إلى الحرام.. والله أستحي من ذكرها .. فهذه طريقة شيطانية.. حيث تجد زجاج السيارات مفتوحا والسائق موجه عينيه إلى الفتيات، ظانا نفسه في قمة الرجولة.. بئس الرجولة تلك.. فِعلا أحس بالتضايق عند رؤية هذه المشاهد.
فضيلة سيدة محترمة ومتزوجة تلقت دعوة من جيرانها لحضور حفل زفاف ابنتهم في قاعة حفلات.. وعند ذهابها رفقة ابنها أصيبت بالذهول هي الأخرى بإحضارهم “DJ” منذ بداية العرس، وهو يشغل أغاني مبتذلة رخيصة تحوي كلاما ينافي أخلاق الجزائريين وأعرافهم، فقررت ترك العرس معتذرة لأم العروس عن عدم استطاعتها البقاء أكثر.
أما أحمد من براقي يقول إنه خلال الأيام الدراسية الماضية تفاجأ بابنه ذي الـ9 سنوات عندما يعود مساء من المدرسة يقوم بترديد بعض الكلمات الغريبة مثل “آي آي” و”واي واي” فلما استفسره والده عن مصدر سماعه هذا الكلام أجابه أنه سمعه من هاتف زميله في القسم..”أنا أتساءل كيف لطفل صغير يدرس في الابتدائي بإمكانه الحصول على أغاني الكبريهات في هاتفه.. صراحة أبناؤنا في خطر.. فهذا الغناء يمثل غزوا يجرهم نحو الانحلال والانحطاط والرذيلة وإفسادهم”. يقول أحمد
تيار غنائي خطير تجب محاربته
إن هذا النوع الغنائي الخليع غير الهادف يشكل ظاهرة ذات نتائج خطيرة وأسوؤها هو الانحراف الاجتماعي بين الشباب والمراهقين بسبب طبيعة المضامين المتعلقة بالجنس والخمر والمخدرات.
لذا يتطلب من الجميع وخصوصا من الحكومة بأن تكون هناك خطوات فعالة ودور فعلي لإيقاف هذا الخطر بالتوعية ونشر الثقافة الراقية أوساط الشباب والفتيات والعمل لأجل القضاء على هذه الأغاني التي لا تقل شأنا عن الأفلام الإباحية ومعاقبة كل من يعمل على نشرها وبيعها في السوق.