فكرة جديدة مبتكرة: مطعم فرايد تشيكن!
تجلس على المقهى مع أصدقائك، يبدأ التفكير في مشروع المستقبل كالعادة، تلمع عين أحدكما قائلًا: ماذا عن مطعم «فرايد تشيكن»؟ يرد عليه آخر -متقمصًا دور السائق في فيلم 1000 مبروك ردًا على أحمد حلمي-: فكرة جديدة ومبتكرة.
يبدو الموقف ساخرًا، لكن غالبًا هذا هو الواقع من حولنا حقًا، إذ نسمع باستمرار عن افتتاح مطعم جديد. فهل يعني هذا العدد من المطاعم وجود تشبع في السوق؟ فإذا كانت الإجابة نعم: كيف لمشروع جديد النجاح في اختراق هذا السوق المشبع؟
ما هو تشبع السوق؟
يمر المنتج عادةً بأربع مراحل أساسية في دورة حياته، تعرف باسم Product Type Life Cycle. يحدث تشبع السوق عندما يصل المنتج إلى الحد الأقصى من المبيعات، وفقًا لمستوى الطلب الحالي. على الأغلب يحدث تشبع السوق بعد وصول المنتج إلى مرحلة النضج، ويبدأ بعد ذلك في التراجع.
عندما يحدث تشبع للسوق في صناعة معينة، فهذا يعني أنّه تم توفيرها إلى المستهلكين، لدرجة أنّه لا يكون هناك قابلية لطرح أفكار جديدة، نتيجة عدم احتياج المستخدمين إلى المزيد، فالعرض يساوي الطلب، أو نسبة الطلب أقل من العرض أساسًا.
على الرغم من نتيجة ذلك، من صعوبة حصول شركات أخرى على حصص سوقية جيدة، إلا أن الواقع يختلف تمامًا. إذ نشهد باستمرار دخول شركات جديدة للعمل في المجال ذاته. لذا، إذا أرادت واحدة من هذه الشركات الحصول على حصة سوقية لنفس المنتج في نفس السوق، فهذا يتطلب تآكل الحصص السوقية لبقية الشركات. وهذه هي المشكلة الأساسية للشركات التي تعمل في سوق مشبع، أنّه يحد من إمكانيتها في الربح أو النمو.
أنواع تشبع السوق
من المهم دائمًا فهم حالة التشبع الحادثة للسوق، ونطاق حدوثها بالضبط، سواءً للدفاع عن مكانتك، أو حتى لدخول هذا السوق. إذ كل حالة تعطي مؤشرًا مختلفًا حول الطريقة المثلى للتعامل معها، ولا يمكن اتّباع الإستراتيجيات ذاتها في جميع الحالات. يمكن تقسيم تشبع السوق إلى نوعين رئيسيين:
1- تشبع السوق من منتجات الصناعة الواحدة
في هذه الحالة يكون تشبع السوق على نطاق صغير، نتيجة قلة الطلب على مشروع معين، ويعود السبب في ذلك إلى عثور المستخدمين على خيار آخر لإشباع احتياجاتهم في المجال ذاته. ينطبق الأمر على مثال مطاعم الفرايد تشيكن، إذ يمكن للعميل التوجّه إلى مطعم آخر، بالتالي تقل الحصة السوقية للمطعم الأول.
2- تشبع السوق من الصناعة ذاتها
في هذه الحالة يكون تشبع السوق على نطاق واسع، إذ تواجه الصناعة بأكملها انخفاضًا في الطلب. على الأغلب يكون السبب في ذلك هو التكنولوجيا الحديثة. على سبيل المثال، ترتب على انتشار الهواتف المحمولة، حدوث انخفاض في استخدام أجهزة الاستدعاء والنداء الآلي، وكذلك انتشار الكاميرات الرقمية، أدى إلى تراجع في مبيعات الكاميرات التقليدية.
سنلاحظ أنّه عند نجاح شركة آبل في الحصول على حصة سوقية أكبر، في شهر يناير من العام الحالي. ترتب على ذلك تراجع الحصص السوقية للشركات الأخرى. وهكذا، أي تقدم في حصة سوقية لشركة خلال العام المحسوب في الرسم البياني، قابله تراجع لدى بقية الشركات.
3- التغيّر في سلوك المستخدمين
قد يكون السبب في تشبع السوق، هو تغير سلوك المستخدمين. لا يتعلق التغير فقط بالتكنولوجيا المستخدمة، أو المميزات المقترحة من المنافسين، لكن ربما يرتبط بالتغير في اتجاهات المستخدمين ذاتها، إذ أحيانًا يفقد المستخدمون اهتمامهم ببعض المنتجات، نتيجة لاختلاف في أفكارهم، ويترتب على ذلك تراجع الرغبة في الشراء.
على سبيل المثال، التغيّر في ثقافة المستخدمين وإقبالهم على شراء الأكل الصحي، بدلًا من الأطعمة الأخرى التي تسبب ضررًا لهم. أيضًا قلة الإقبال على المنتجات، التي يؤمنون بإحداثها أثرًا سلبيًا على البيئة، نتيجة إيمانهم بأهمية الاستدامة البيئية. بالتالي، يؤدي ذلك إلى تشبع السوق لهذه المنتجات المضرة، وقلة الطلب عليها.
كيف يؤثر تشبع السوق على شركتك سلبًا؟
يعد الأثر السلبي الأساسي لتشبع السوق، هو عدم تمكن الشركة من التوسع في أرباحها. لكن هذا ليس الأثر الوحيد، إذ توجد بعض الآثار السلبية الأخرى المهمة، التي تعطل من مسيرة الشركة نحو تحقيق المزيد من النجاحات. من بين هذه الآثار:
1- عدم نمو العملاء
نتيجة التشبع، فإنّ السوق لا يولد طلبًا جديدًا على المنتجات. إذ بالفعل قاعدة العملاء المحتملة، تم خدمتها بواسطة الشركات الموجودة الآن، أي يقتصر الأمر غالبًا على جني الإيرادات من قاعدة العملاء الحالية، بينما قدرة جذب العملاء الجدد محدودة.
عدم تمكن الشركة من تحقيق النمو في العملاء، يؤدي إلى ثبات نوع في الإيرادات، نتيجة الفشل في الوصول إلى مصادر دخل جديدة. يترتب على ذلك عدم توفر المزيد من السيولة، التي تمكن الشركة من التوسع في عملياتها أو التسويق للمنتجات، بالتالي صعوبة تحقيق النمو في الشركة.
2- صعوبة جذب المستثمرين
أنت تقف الآن أمام المستثمرين لعرض فكرتك، تأتي إلى الجزء الخاص بحجم السوق، ثم بعد ذلك تستعرض المنافسين أيضًا. بالطبع يرغب المستثمر في الشعور أنّ فكرتك تمتلك فرصة حقيقية، ويمكنها تحقيق النجاح، وأحد عوامل هذا النجاح هو قدرتها على حصد حصة سوقية فعلًا.
ماذا إذا كان السوق يتعرض لحالة من التشبع؟ لن يكون مستحيلًا إقناع المستثمرين بفكرتك، لكن سيصبح الأمر أكثر صعوبة. لا أحد يرغب في دفع أمواله في فكرة لا يرى لها فرصة حقيقية، أو يشعر بأنّه لم يعد عليها طلب كثير الآن. بالتالي، سواءً كنت في البداية أو بعد مرور فترة، فسيكون من الصعب تأمين جولة استثمارية جديدة، وعليك التفكير في طرق أخرى لتأمين التمويل.
لنأخذ مثالًا بسيطًا يوضّح هذه المفاهيم الثلاثة في الواقع. إذا كنت ترغب في إنشاء فكرة تطبيق على الهاتف، تقدّم أداة لإدارة الوقت، في هذه الحالة TAM هو الجمهور الذي يملك هاتفًا بالفعل حول العالم. إذا كنت ترغب في إطلاق نسختك على الأندرويد فقط، إذن هذا هو SAM. أمّا SOM هم الأشخاص الذين يمكنك الوصول إليهم بالفعل وفقًا لإمكانياتك.
في النهاية، من المهم تطبيق هذه المفاهيم الثلاثة على مشروعك، وأن تتمكن من تحديد SAM وSOM الخاصة بك. هل ترى أنّ النتيجة عن التطبيق تمكنك من الحصول على سوق حقيقي قابل لخدمته، ويكون الأمر مربحًا بالنسبة لك؟
تشبع السوق يعني على الأغلب عدم وجود عملاء جدد. في الواقع، ليس ضروريًا الاعتماد على جذب عملاء جدد، بل يمكنك تركيز مجهودك في الاحتفاظ بالعملاء الحاليين، وكما تشير الإحصاءات بالأعلى، أنّه بالإمكان مضاعفة الإيرادات من خلال هؤلاء، وأنّ الاحتفاظ بالعملاء الحاليين قد يكون أكثر ربحية من جذب آخرين.
يمكنك فعل ذلك بالاعتماد على المزيد من الطرق التي تساعدك في تحقيق أرباح إضافية من هؤلاء العملاء. مثلًا، تضمين خدمات إضافية مع الخدمات الأساسية المعروضة. أو عبر تحسين خدمة العملاء التي تقدمها لهم، أو عبر استخدام برامج الولاء التي تحفّز العملاء لتكرار عمليات الشراء.
أخيرًا، لا يقتصر دور هذه الإستراتيجيات على دخول الأسواق المشبعة، لكنّها تمكن الشركات الحالية من الصمود عند وجودها في سوقٍ يقترب من مرحلة التشبع. ليس الأمر مستحيلًا، لكنّه يتطلب مجهودًا كبيرًا مع دراسة جيدة للسوق. في النهاية ستكون النتيجة كما ترغب، فكرة مبتكرة قادرة على المنافسة والربح في أي سوق، عندما يستمع الناس إليها؛ يقرون بجودتها حقًا، دون سخرية هذه المرة.
آخر تحديث: 23/03/2021ريادة الأعمال