أكثر غرابة مما نعتقد.. حلقات زحل تكشف عن نواة عملاقة داخله
زحل ثاني أكبر كواكب المجموعة الشمسية، وهو كوكب غازي يتكون بنسبة كبيرة من غاز الهيدروجين ونسبة أقل من الهيليوم. غير أن معرفتنا ببنيته الداخلية تقتصر على عمليات المحاكاة الحاسوبية، والتي يصعب التحقق من صحتها نظرا لصعوبة الحصول على بيانات عملية تكشف عن جوهر لب الكوكب العملاق.
رصد باطن الكواكب
تعتمد دراسات باطن الكواكب على رصد الموجات المتولدة عن الزلازل، كما في حالة دراسة باطن الأرض. كما تعتمد دراسات باطن الشمس على رصد تذبذبات الغلاف الضوئي للشمس، أو ما يعرف بالفوتوسفير (Photosphere). غير أن رصد موجات مماثلة في حالة الكواكب الغازية كزحل والمشترى يعد أمرا في غاية الصعوبة.
إضافة إلى ذلك، فإن المعلومات الأولية المتوافرة حول توزيع الكتلة الداخلية لكوكب زحل تتأتى من قياس التباين في مجال الجاذبية حول الكوكب.
إذ يتم ذلك من خلال القياس الدقيق لحركة الأقمار الاصطناعية التي تدور حول الكوكب. غير أن عدد المركبات الفضائية التي زارت المشتري وزحل قليلة بشكل يجعلها غير كافية لقياس تباين الجاذبية حولهما. وبالتالي فإن معرفة البنية الداخلية لكوكب زحل -على سبيل المثال- كانت أمرا صعبا.
بيد أن دراسة حديثة -نشرت بدورية "نيتشر أسترونومي" (Nature Astronomy) في 16 أغسطس/آب الجاري- أشارت إلى أن تذبذبات الجزء الداخلي من زحل تجعل الكوكب العملاق يهتز بشكل طفيف للغاية. الأمر الذي يسبب تموجات في حلقات زحل تلك الجسيمات الصغيرة التي تدور حول مدار الكوكب.
نتائج مذهلة
هكذا قام علماء من معهد كاليفورنيا للتقنية "كالتك" (California Institute of Technology) بدراسة هذه الحلقات المتموجة للكشف عن أي معلومات جديدة تتعلق بالبنية الداخلية لكوكب زحل. إذ اعتمد العلماء على البيانات القديمة التي التقطها مسبار "كاسيني-هويغنز" (Cassini–Huygens) أثناء رحلة دورانه حول زحل والتي استمرت 13 عاما.
وبحسب البيان الصحفي -الذي نشره معهد "كالتك"- فإن نتائج الدراسة أشارت إلى أن نواة كوكب زحل ليست كرة صلبة من الصخور كما اقترحت بعض النظريات السابقة، ولكنها حساء من الجليد والصخور والسوائل المعدنية. كما أظهرت الدراسة أن لب الكوكب يمتد لنحو 60% من قطره، مما يجعله أكبر بكثير مما قُدِّر سابقا.
وتشير النتائج إلى أن كتلة نواة زحل أكبر بـ 55 مرة من كتلة الأرض. إذ يمثل الجليد والصخور 17 كتلة أرضية، وبقية الكتلة تُكتَسب من الهيدروجين والهيليوم.
ويُعقِّب جيم فولر، أستاذ الفيزياء الفلكية المساعد في معهد "كالتك" والمشارك بالدراسة قائلا إنهم استخدموا "حلقات زحل كجهاز قياس زلازل عملاق لقياس التذبذبات داخل الكوكب".
ويضيف أن هذه "المرة الأولى التي يمكننا فيها التحقق من بنية كوكب غازي عملاق. إذ كانت النتائج مدهشة".
وفي ذات الصدد، تشير جينيفر جاكسون أستاذة الفيزياء في معهد "كالتك" غير ال بالدراسة إلى أن "التحليل المستفيض لحلقات زحل المتموجة يعد شكلا أنيقا من علم الزلازل الذي يهدف إلى معرفة خصائص لب كوكب زحل".
حساء مختلط
حتى الآن، فإن هذه النتائج تقدم أفضل دليل على التركيب الداخلي لنواة زحل، والتي تتماشى مع أدلة حديثة أتاحتها بعثة جونو (Juno mission) التابعة لناسا، والتي تشير إلى أن كوكب المشتري الغازي العملاق قد يحتوي على نواة مماثلة.
وعن هذه النواة، يُعقِّب كريستوفر مانكوفيتش، الباحث الرئيس في الدراسة بأنها "مثل الحمأة. إذ يختلط فيها غاز الهيدروجين والهيليوم أثناء تحركه نحو مركز الكوكب مع المزيد والمزيد من الجليد والصخور".
ويضيف مانكوفيتش أن "كوكب زحل في حالة اهتزاز دائم، غير أنه طفيف. إذ يتحرك سطحه حوالي متر واحد كل ساعة إلى ساعتين كبحيرة بطيئة التموج. ولذا، فإن حلقات زحل تلتقط اضطرابات الجاذبية وتبدأ على إثرها بالاهتزاز، بالمثل كما يحدث في جهاز قياس الزلازل".
ويشير نمط اضطرابات الجاذبية المرصودة إلى "استقرار الجزء الداخلي من نواة الكوكب. الأمر الذي لا يمكن تحققه إلا إذا زادت نسبة الجليد والصخور تدريجيا كلما اقتربنا من مركز الكوكب" كما يقول فولر.
ويختتم فولر: يعني ذلك أن مركز الكوكب يحتوي على طبقات مستقرة قد تكونت بعدما استقرت المواد الأثقل منتصف الكوكب وتوقفت عن الاختلاط بالمواد الأخف التي تعلوها".