ملاحظات أولية حول عملية القضاء على زعيم داعش كراهية الغرب !
في نهاية شهر يناير الماضي، قامت وحدة من القوات الخاصة الأميركية، مقسّمة إلى عدة مجموعات، بتنفيذ عملية دقيقة انتهت إلى القضاء على زعيم تنظيم داعش، حيث حطّت حوامتان على جانبي البيت المستهدف ونزل منهما 20 جنديا حاصروا المنزل وخاطبوا بمكبرات الصوت المقيمين فيه مطالبين بالاستسلام أو على الأقل السماح بخروج النساء والأطفال.
سارع زعيم داعش إلى تفجير نفسه بحزام ناسف قوي أدّى إلى سقوط أشلائه خارج المنزل ومقتل زوجته واثنين من أبنائه، في حين قام أحد مساعديه بتحصين نفسه وعائلته في غرفة بالطابق الثاني وبادر بإطلاق النار واستمر الاشتباك لفترة من الوقت حتى مقتله.
وبلغ عدد ضحايا العملية حسب أغلب التقديرات 13 شخصا بينهم أربعة أطفال وثلاث نساء، ثم قامت الوحدة بتفتيش المنزل وفحص جثث المتوفين والتأكد عبر البصمات والحمض النووي بأن زعيم داعش كان من بين القتلى.
وشاركت في هذه العملية طائرات بدون طيار وتم نقلها في بث مباشر ألى غرفة العمليات في البيت الأبيض التي كان متواجدا فيها الرئيس الأميركي، جو بايدن، ونائبته وأعضاء من فريق الأمن القومي ومجموعة من كبار الجنرالات.
استغرقت العملية ساعتين كاملتين في منطقة من المفترض أنها معادية وخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، دون أن يحاول أحد التعرّض لها ولذلك لم يقع ضحايا في الجانب الأميركي، ولكن مروحية تعطلت فجرى تدميرها على الأرض حتى لا تقع في أيادٍ غريبة أو معادية.
وقالت الإدارة الأميركية أنها اختارت تنفيذ العملية من خلال إنزال جوي بدل القصف عن بعد بهدف تقليل الخسائر بين المدنيين قدر الإمكان، وفي الحقيقة فإن عددا كبيرا من الضحايا سقط نتيجة استخدام عناصر داعش للأحزمة الناسفة، ممّا يؤكد أن السياسة المعتمدة عند الولايات المتحدة تقوم على محاولة التقليل من الخسائر بين المدنيين قدر الإمكان حتى لو كان ذلك على حساب المخاطرة بحياة الجنود الأميركيين.
وتعتبر هذه العملية استمرارا لتكتيكات عسكرية تم اتباعها في عدة عمليات سابقة، ففي نهاية عام 2019، أعلن الرئيس السابق، دونالد ترامب، عن مقتل أبو بكر البغدادي في محافظة إدلب، شمال غرب سوريا، في عملية نفذتها قوة "دلتا"، وفي عام 2011، أعلن الرئيس باراك أوباما عن تنفيذ عملية قتل أسامة بن لادن بنفس الطريقة في باكستان .
ومن أولى الملاحظات أن إمكانية تنفيذ هذا النوع من العمليات الدقيقة وما تتطلّبه من معلومات استخباراتية يكاد يكون حكرا على الولايات المتحدة.
ففي الوقت الذي أشارت العملية إلى احترافية عمل أجهزة المخابرات الأميركية فإنهاأكّدت كذلك على وجود خروقات كبيرة في منظومة داعش الأمنية وتراجع شعور الخوف من التنظيم حتى عند بعض أعضائه.
فليس من قبيل المصادفة أن الولايات المتحدة فقط هي من تقوم بملاحقة والقضاء على أغلب القادة العالميين في تنظيمي القاعدة وداعش، بينما الدول الأخرىالتي يعمل الإعلام العربي على تعظيم قدراتها، مثل روسيا، لم تقم بعمليات مشابهة، وأقصى ما يمكن أن تقوم به في مثل هذه الحالات هو تدمير المنطقة بالكامل بأكبر الصواريخ والقنابل.
لأن هذا النوع من العمليات يتطلّب ثقة كبيرة بالنفس، يكاد يقتصر وجودها على الولايات المتحدة، التي منحت نفسها صلاحية ملاحقة الإرهابيين في أي مكان في العالم، وعندما تقرر الولايات المتحدة اتخاذ قرار باستخدام القوة فهي تعرف أنه لا قبل لأحد بمواجهتها، رغم أن الديمقراطيات لا تسعى للحروب بل تعمل ما في استطاعتها على تجنبها، بينما تعتاش الديكتاتوريات على الصراعات التي تعطيها مبرر وجودها.
ولا يقتصر ذلك على هذا النوع من العمليات، فلولا التدخل العسكري المباشر والواسع للولايات المتحدة لما كان من الممكن تحرير نصف مساحة سوريا والعراق من سيطرة داعش، ولم يتبقّ لهذا التنظيم اليوم سوى منطقة في غرب الفرات تمتد بين جبل أبو رجمين شمال تدمر إلى جبل بشري شمال شرق بلدة السخنة حتى حدود الرصافة.
وهي منطقة من المفروض أنها تحت سيطرة الروس حسب التفاهمات الروسية الأميركية، ولكن الروس لم يفعلوا شيئًا للتعامل معها سوى غارات جوية متقطّعة لم تحقق أي نتيجة حتى الآن، مما جعل من هذه المنطقة عاصمة التنظيم وقاعدة انطلاق لمهاجمة بقية المناطق.
ولذلك لابدّ من الضغط على روسيا للقيام بما تستطيع لتطهير هذه المنطقة من داعش، وإلا فإن التنظيم سيعود للحياة مهما كانت الضربات التي يتلقاها كبيرة، وإذا كانت روسيا عاجزة عن ذلك فلتتترك المهمة لمن يستطيع القيام بها.
الملاحظة الثانية حول هذه العملية هي مكانها وهو بلدة أطمة التي تقع مباشرة على الحدود التركية مما يطرح تساؤلات مشروعة حول كيفية إفلات هدف كبير ومهم مثل القائد العام لداعش من رادار المخابرات التركية، أي هل إمكانيات هذه المخابرات ضعيفة أم أن هناك من يتواطأ مع تنظيم داعش من داخل أجهزة الدولة التركية.
خصوصا أن زعيم داعش القتيل ورغم أن لقبه "أبو إبراهيم القرشي" الذي يوحي بأن أصوله تعود إلى قبيلة قريش، (مثل الكثير من قادة التنظيمات الإسلامية الذين يعملون على نسب أنفسهم لهذه القبيلة لإضفاء شرعية دينية على زعامتهم)، لكن الاسم الحقيقي لهذا "القرشي" هو أمير محمد سعيد المولى، وكان لقبه في التنظيم "عبد الله قرداش" بما يوضّح أصوله التركمانية خصوصا أنه من مواليد تلعفر البلدة التركمانية في شمال غرب العراق، ومن المرجّح أن يكون ملمًا باللغة التركية، وهذه المعطيات تؤكّد أن الخيار الذي أقدمت عليه الولايات المتحدة قبل سنوات باعتماد الأكراد كشركاء رئيسيين في محاربة داعش بديلا عن الأتراك كان له ما يبرّره.
ومما يؤكد على ذلك أن أبو بكر البغدادي كان مختبئا أيضا في منطقة قريبة ضمن محافظة إدلب السورية، نفسها التي تتقاسم السيطرة عليها تركيا وهيئة تحرير الشام، ووجود قيادات داعش في هذه المنطقة يطرح تساؤلات حول حقيقة العلاقة بين هذه المنظمة وداعش، وهل تغضّ هيئة تحرير الشام النظر عن وجود هذه القيادات أم أن منظمات متطرّفة أخرى مثل "حرّاس الدين" هي من تقدم الغطاء على وجود قادة داعش.
الملاحظة الثالثة هل هناك علاقة بين عملية إدلب تلك وهجوم داعش الفاشل على سجن غويران في محافظة الحسكة الذي يعتبر أكبر سجن لداعش في العالم؟ وهل ساعدت هذه العملية التي استغرقت عدة أيام وأدّت إلى مقتل 350 من عناصر داعش واعتقال آخرين أكّدوا على مكان اختباءزعيم داعش؟ أم هل تم رصد اتصالات قبل وأثناء هذا الهجوم مع هذا المنزل أشارت إلى وجود قيادات لداعش فيه؟
ويبقى السؤال الأهم، هل ستشكّل هذه الضربة لداعش نقطة تحوّل تحمل معها بداية نهاية هذا التنظيم الدموي، ليس بسبب قتل زعيمه فقط، بل نتيجة الضربات الكبيرة التي تلقاها مؤخرا؟ وهل ستكون عملية الانتقال إلى قيادة جديدة سهلة، أم ستشهد خلافات وانشقاقات بين القادة العراقيين الذين يتحكّمون بالتنظيم منذ نشأته؟
وكلما تأخّر الإعلان عن الزعيم الجديد، كان ذلك مؤشّرا على وجود خلافات، وتشير كافة المعطيات إلى أن التنظيم ليس في أفضل حالاته وأنه يعاني من حالة ضعف وتراجع يوما بعد يوم، كما حدث قبل سنوات مع تنظيم القاعدة الذي فقد مع الوقت كبار قادته ويكاد وجوده يقتصر اليوم على شبكة الإنترنت عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتأثير المعنوي الذي يملكه على بعض الإسلاميين والسلفيين.