تركيا وروسيا في الأزمة الأوكرانية.. أيهما يغلب المصالح المشتركة أم صراع النفوذ؟
أنقرة/ موسكو- جاءت الأزمة الأوكرانية لتضيف ساحة خلاف جديدة بين روسيا وتركيا. فبعد سوريا وليبيا وأذربيجان، من المرجح أن تشكل الأزمة الحالية اختبارا جديدا للعلاقات بين موسكو وأنقرة، وفي الوقت الذي لا تعترف فيه بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، تعرض تركيا مبادرة للحل بين موسكو وكييف.
الجزيرة نت وجهت أسئلة لـ4 خبراء سياسيين من تركيا وروسيا، لفهم ما يجري بين البلدين في الأزمة الأوكرانية، وسيناريوهات الرد الروسي في حال اندلعت الحرب واصطفت أنقرة إلى جانب أوكرانيا.
لماذا تريد تركيا مصالحة روسيا مع أوكرانيا؟
جددت تركيا على لسان المتحدث باسم رئاستها إبراهيم قالن استعدادها للوساطة بين روسيا وأوكرانيا لتخفيف التوتر بينهما، في الوقت الذي لا تبدي فيه موسكو ترحيبا بسبب دعم أنقرة لأتراك القرم وتزويدها كييف بطائرات مسيّرة مقاتلة تستخدمها في إقليم دونباس.
ويفسر المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو سعي تركيا للحل الدبلوماسي بكونه الحل الوحيد والأنسب، لا سيما أن كلا البلدين شريكان مهمان وجاران لها، إضافة إلى أن المحيط التركي ملتهب، فشرقا أذربيجان وأرمينيا، وجنوبا سوريا، وشمالا روسيا وأوكرانيا.
ووفق رضوان أوغلو، يشكل هذا المحيط خطورة أمنية واقتصادية وسياسية على تركيا، كما يضعفها أمام اليونان المدعومة فرنسيا وأميركيا في ملفي شرق المتوسط وبحر إيجه، لافتا إلى أن أنقرة تعلم أن الحرب الروسية الأوكرانية لا تخدم إلا أميركا والاتحاد الأوروبي.
من جهته، يقول الباحث التركي في العلاقات الدولية طه عودة أوغلو إن رغبة تركيا في الوساطة لحل الأزمة بين أوكرانيا وروسيا واضحة رغم الفتور في الرد الروسي، وتأتي حتى لا تضطر للوقوف إلى جانب أحد شريكيها ضد الآخر فتخسره.
ماذا فعلت أنقرة لخفض التوتر بين روسيا وأوكرانيا؟
يقول رضوان أوغلو إن تركيا تسعى لمنع نشوب الحرب من خلال اتصالاتها بإدارة الدولتين، مشيرا إلى أن أنقرة تستبعد حدوث حرب بين الدولتين.
في حين يقول عودة أوغلو "بينما أنقرة تمضي في تطوير علاقاتها مع موسكو، فإنها وعلى خط مواز، تتمسك بحزم بالحفاظ على وحدة أراضي أوكرانيا، وإيجاد حل لخلافاتها سلميا، إدراكا منها للدور المحوري الذي تلعبه كييف في ضمان الاستقرار والسلام في منطقة البحر الأسود".
لماذا تمثل أوكرانيا أهمية كبيرة لتركيا؟
أكدت تركيا مرارا أن تقاربها مع أوكرانيا لا يستهدف أي طرف ثالث في إشارة إلى الروس، وأفردت في السنوات الأخيرة مساحة واسعة للتعاون العسكري مع أوكرانيا؛ حيث شرع البلدان بتوقيع مذكرات للتعاون في مجال التسليح والصناعات الدفاعية.
ووفقا لرضوان أوغلو، فإن أوكرانيا مهمة لتركيا لحفظ التوازن في المنطقة. وترى الأخيرة بضرورة عدم تمدد روسيا فيها لتفادي الضرر بمصالحها مما يتسبب بعداوة بينهما. لأجل ذلك تبيع تركيا مسيّرات لبولندا وأوكرانيا.
بينما لفت عودة أوغلو إلى روابط تاريخية بين تركيا وأوكرانيا، حيث سيطرت الدولة العثمانية على جنوب أوكرانيا لقرون، إضافة إلى أن تتر القرم محسوبين على الشعب التركي. لكن الأهم برأيه، الشراكة التي تجمع البلدين في مجال التصنيع العسكري، حيث تمثل أوكرانيا مزودا للكثير من المعدات العسكرية لتركيا.
ما تداعيات تقارب تركيا مع أوكرانيا على العلاقة مع روسيا؟
طوال عام 2020، ألحقت الطائرات بدون طيار التركية هزائم كبيرة بوكلاء روسيا في سوريا وليبيا وإقليم قره باغ، ودمرت كميات كبيرة من المعدات الروسية الصنع، حسبما ورد في تقرير لموقع "موسكو تايمز".
وكانت روسيا -بعد بيع أنقرة مسيرات مقاتلة لكييف- فرضت قيودا على سفر مواطنيها لتركيا للسياحة، فيما قالت إنها خطوة مرتبطة بانتشار فيروس كورونا في تركيا، وليس للموقف التركي من الأزمة الأوكرانية.
وذكرت تقارير تركية أن تقارب تركيا وأوكرانيا لا يؤثر على ملفاتهما المشتركة، فقد قدم فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان نموذجا فريدا للعمل السياسي، فبعد المواجهات بينهما في ساحات سوريا وأذربيجان وليبيا، كان يجلس الزعيمان ويتفاوضان ويضعان حلا للنزاعات مع تهميش الأطراف الأخرى.
وفي حال دخلت تركيا الحرب مع أوكرانيا، فمن المتوقع أن يؤثر ذلك سلبا على العلاقات التركية الروسية في كل الملفات؛ حيث ستشتعل الساحة السورية، وتتراجع السياحة والتبادل التجاري وتوريدات الغاز بينهما.
في حال شنت روسيا حربا على أوكرانيا؛ هل ستدعم تركيا أوكرانيا كما فعلت مع أذربيجان؟
رغم اهتمام تركيا البالغ بالأزمة الأوكرانية، وتحديها لموسكو في 3 ساحات من قبل، فإن أنقرة تعلم أن أوكرانيا بالنسبة لروسيا قضية مختلفة وحساسة، كما أنه في ظل مجاورة روسيا لأوكرانيا فالميزان راجح بشكل هائل لموسكو، وفقا لعودة أوغلو.
لكن برأيه "تركيا هي الدولة الوحيدة من الناتو التي لعبت دورا في تحسين وضع كييف العسكري المزري، ومن الصعب تخيل أن الدعم التركي قد يكون فعالا في مواجهة القوى العسكرية الروسية الجبارة، وسيكون له تأثير كبير ضد المتمردين المدعومين من روسيا وفي الحرب الخفيفة المندلعة الآن بأوكرانيا".
أما رضوان أوغلو؛ فيتوقع -في حالة الحرب- أن تدعم تركيا أوكرانيا خاصة أن الناتو سيكون متواجدا بقوة ضد روسيا، وعليه فإن تركيا ملزمة بالعمل مع حلفائها، موضحا أن الملف الروسي الأوكراني مختلف عن ملف أذربيجان وأرمينيا.
وتزداد أهمية تركيا لكل الأطراف في الأزمة الأوكرانية، بسبب المضائق التركية التي تُعد الممر الوحيد لأي دعم قادم من أميركا أو من الناتو لأوكرانيا من البحر.
هل تعني الوساطة التركية شهادة وفاة لاتفاقية مينسك؟
يعتبر الخبير في شؤون الشرق الأوسط أندريه أونتيكوف أن روسيا ليست طرفا في النزاع في شرق أوكرانيا، وعليه، فإن الصيغة التركية بشكلها الحالي لن تساعد في حل الأزمة المعنية، وسيبقى الكرملين متمسكا باتفاقية "مينسك" كأفضل الحلول المتاحة، رغم إخفاق الوساطتين الفرنسية والألمانية في تقريب وجهات النظر بين موسكو وكييف.
ويضيف أونتيكوف للجزيرة نت أن محاولة أنقرة الحفاظ على علاقات جيدة مع أوكرانيا، وفي نفس الوقت بناء علاقات إستراتيجية مع روسيا، وأن تكون وسيطة بين موسكو وكييف، هي أمر غير واقعي.
هل العلاقات الروسية التركية محكومة بقواعد "الصراع التوافقي"؟
يشير أونتيكوف إلى معضلة تتمثل في تقديم تركيا لنفسها كقوة إقليمية مؤثرة، بشكل يتعارض في كثير من المحطات مع المصالح الروسية. وفي المقابل ترى موسكو أن المصالح بعيدة المدى تتطلب عدم دفع الخلافات مع أنقرة إلى نقطة اللاعودة، نظرا لأهمية تركيا في التجاذب القائم بين روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى.
بالنسبة لموسكو؛ ما الذي يعنيه تأييد تركيا لأوكرانيا في الأزمة مع روسيا؟
يعتبر أراك ستيبانيان النائب الأول لرئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية أن المقياس هنا يكمن في شكل الدعم الذي يمكن أن تقدمه تركيا لأوكرانيا؛ فإذا انحصر في الجانب السياسي والإعلامي فذلك ليس سابقة في تاريخ الأزمات بين موسكو وأنقرة.
أما في حال اتخذ الدعم التركي لأوكرانيا طابعا تسليحيا -يقول ستيبانيان- حينها ستتعامل روسيا مع تركيا كعدو، وسترد بعقوبات اقتصادية وبتعطيل عدد من المشاريع التجارية.
هل نجح الطرفان في الفصل بين الخلافات السياسية والمصالح الاقتصادية المشتركة؟
يؤكد ستيبانيان على أنه في حال تأزّمت الأمور بين موسكو وأنقرة بسبب كييف، فإن موسكو ستواصل التعاون مع أنقرة في "مشاريع إستراتيجية" بالغة الأهمية للطرفين، ولا سيما السيل الشمالي الذي وافقت تركيا على مده عبر أراضيها، بعد أن خضع كل من "الشقيق السلافي البلغاري" والجارة الأوكرانية للضغوط الغربية، وهو ما اعتبرته موسكو موقفا تركيا إيجابيا.
إضافة لذلك، من مصلحة موسكو الحفاظ على استمرار تركيا في شراء منظومة "إس-400" (S-400) الصاروخية، ولكن بشرط ألا تتخذ أنقرة مواقف مؤثرة ضد المصالح الروسية.